التكنولوجيا أو التقانة Technology (و هي مصطلح متداخل و متشابك مع التقنية technique ) لها أكثر من تعريف واحد. أحد تعاريفها هو التطوير وتطبيق الأدوات وإدخال الآلات والمواد والعمليات التلقائية والتي تساعد على حل المشاكل البشرية الناتجة عن الخطأ البشري. أي إنها استعمال الأدوات و القدرات المتاحة لزيادة إنتاجية الإنسان و تحسين أدائه .
التعريف والاستخدام
اشتقت كلمة تكنولوجيا من اللغة اللاتينية، حيث تتكون من مقطعين تكنو techno وتعنى الفن أو الحرفة ولوجيا logia وتعني الدراسة أو العلم ومن هنا فمصطلح تكنولوجيا يعني التطبيقات العلمية للعلم والمعرفة فى جميع المجالات.
ويشير مصطلح التقنية إلى كل الطرق التي يستخدمها الناس في اختراعاتهم واكتشافاتهم لتلبية حاجاتهم وإشباع رغباتهم، ويسميه بعضهم التكنولوجيا. وكان لزامًا على بني البشر منذ أزمان بعيدة جدًا أن يكدحوا ليحصلوا على المأكل والملبس والمأوى، كما كان لزامًا عليهم أن يعملوا أيضًا لتلبية رغباتهم في التنعُّم بأوقات الفراغ والخلود إلى الراحة. ولقد قام الناس عبر العصور باختراع الأدوات والآلات والمواد، والأساليب لكي يجعلوا العمل أكثر يُسرًا. كما اكتشفوا أيضًا الطاقة المائية والكهرباء وغير ذلك من مصادر الطاقة التي زادت من معدّل العمل الذي يقومون بإنجازه. وعلى هذا، فإن التقنية تشمل، فيما تعني، استخدام الأدوات والآلات والمواد والأساليب ومصادر الطاقة لكي تجعل العمل ميسورًا وأكثر إنتاجيّة. وتعتمد الاتصالات الحديثة، ومعالجة البيانات على هذه التقنية، وخاصة تقنية الإلكترونيات .
يطلق كثير من الناس على العصر الذي نعيش فيه الآن عصر التقنية، إلا أن الناس كانوا وما يزالون يعيشون في عصر تقنيّ من نوعٍ ما. فقد كان ينبغي عليهم دائمًا أن يعملوا ليحصلوا على مُعظم ضرورات الحياة، وعلى الكثير من مباهجها. وبناء على هذا، فالتقنية تشمل استخدام كل من الأدوات البدائية والفائقة التقدم وأيضًا أساليب العمل القديمة والحديثة. ولكن عندما يتحدث الناس هذه الأيام عن التقنية فإنهم، بوجه عام، يعنون التقنية الصناعية؛ أي التقنية التي ساعدت في إيجاد مجتمعنا الحديث.
بدأت التقنية الصناعية منذ نحو 200 سنة، وذلك مع تطور المحرك البخاري والآلات التي تُدار بالطاقة ونمو المصانع وإنتاج السلع بكمياتٍ كبيرة. وقد أثر تقدم التقنية على جوانب عديدة من حياة الناس، وعلى سبيل المثال، نجد أن تطور صناعة السيارات قد أثَّر على الناس بصورة كبيرة، وكان التأثير أوضح ما يكون على أولئك الذين يعملون في المصانع والذين يعيشون بالقرب منها، ولقد تدخلت هذه الصناعة كثيرًا في حياتهم وحدّدت لهم كيفية قضاء وقت الفراغ والاستمتاع به. كما غير المذياع والتلفاز من عادات الناس وأساليب حياتهم وحتى طرق التعامل بينهم. وكان اكتشاف الهاتف ثورة كبيرة في وسائل الاتّصالات. وفي الوقت الراهن، تساعد التقنية الصناعية الناس كثيرًا في تحقيق أهدافهم وما تصبو إليه نفوسهم. وما كان في الماضي يدخل ضمن الخيال أو الأشياء المستحيلة التحقيق ـ منذ 100سنة مضت ـ أصبح الآن حقيقةً واقعة. وقد يسَّرت التقنية للإنسان وسائل التغلّب على الجوع ويسَّرت له علاج كثير من الأمراض أو الوقاية من العديد منها، كما مكّنت الإنسان من نقل البضائع والركاب بسرعة ويُسْر إلى أي مكان على الكرة الأرضية. ومكّنت التقنية الإنسان من الخروج من الكرة الأرضية والتجول في الفضاء الخارجي وأن يطأ بقدمه سطح القمر.
أسهمت العلوم كثيرًا في التّقنية الحديثة، ولكن لا تقوم كل أوجه التّقنية على العلوم، وليست كل العلوم ضرورية لجميع التّقنيات. ولكن العلوم تحاول شرح كيفية حدوث الأشياء ولماذا تحدث. وعلى سبيل المثال، فلقد بدأ الإنسان منذ قرون عديدة في صُنع أشياء وأجسام مُختلفة من الحديد قبل أن يعرف التغيرات التي تحدث في التركيب البنائي للمادة الفلزية أثناء التصنيع. وعلى العكس من ذلك، يعتمد عدد من التقنيات الحديثة بصورةٍ كبيرة على العلوم، ومن أمثلة ذلك إنتاج الطاقة النوويّة، والسفر إلى الفضاء الخارجي.
أهمية التقنية
ساعدت التقنية الناس في التغلب على الطبيعة، ومن ثم توفير أسلوب متحضر للحياة. ولم يكن لدى الإنسان الأول إلا أقل القليل من وسائل التحكم في الطبيعة وطرق التعامل معها، وكل ما توافر للإنسان في العصور القديمة هو أدوات بدائية متواضعة فقط. وكان الإنسان الأول يجهل كيفية تربية الحيوانات ولا يعرف أي أسلوب للزراعة، ولهذا فقد كان مضطرا للبحث عن الحيوانات والنباتات البرية لتوفير ما يحتاج إليه من غذاء وللحصول على قوته. كما أن الإنسان ـ في بداية عهده على الأرض ـ لم يكن يعرف المنزل الدائم. وكانت جلود الحيوانات هي الوسيلة الوحيدة المتوافرة له للوقاية من البرد، ومثّلت الشمس المصدر الوحيد للضوء. وبمرور الوقت، اكتشف الإنسان كيف يوقد النار، ويعدُّ ذلك من الاكتشافات العظيمة وقتذاك. فقد ساعد هذا الاكتشاف الإنسان على التحكم بصورةٍ أفضل في الظروف المحيطة به، وتمكَّن الناس عندئذ من نقل الحرارة والضوء معهم إلى أي مكان يذهبون إليه. ثم تعلم الإنسان بعد ذلك كيف يستأنس الحيوانات ويُربيها ويرعاها. كما تعرَّف أيضًا على أساليب إنتاج المحاصيل الزراعية. وقد أدّى تطور الزراعة وإنتاج المحاصيل الزراعية المتنوعة إلى استقرار الإنسان في مواقع معينة، ومن ثَمَّ بناء المجتمعات البشريّة والمساكن المستقرة. وكان ذلك بداية استقرار النّاس في تجمّعات سكنية. وعندما توافرت المحاصيل الزراعية ونجح الناس في تربية الحيوانات، لم تعد هُناك حاجة لقضاء وقت طويل في السعي وراء مصادر الغذاء، مما أعطى الناس الحرية والوقت للقيام بأعمال أخرى بجانب إنتاج الغذاء. ونتيجة للاستقرار ونمو الزراعة، ظهرت الحاجة إلى تنظيم حياة الناس وتنظيم الزراعة. وهكذا ظهرت طبقات رجال الدين والحكام والصناع الحرفيين والتجار. وساعد تقسيم العمالة بالصورة المذكورة في ظهور الحضارة.
أفادت التقنية الناس خلال العصور المتتالية، ومن خلال طرق مختلفة تمثلت في: أولا: زيادة إنتاجية السلع وتوفير الخدمات. ثانياً: تقليل كمية العمالة اللازمة والحد من الأعمال الشاقة المطلوبة لإنتاج السلع وتوفير الخدمات. ثالثًا: تيسير سُبل الحياة وسهولة الأعمال. رابعًا: رفع مستوى المعيشة بصورة كبيرة.
زيادة الانتاج
لقد حقق الناس من خلال الأساليب التقنية، زيادة كبيرة جدًا في إنتاج السلع وتوفير الخدمات. وعلى سبيل المثال، كان الإنسان والحيوان، في منتصف القرن التاسع عشر، يُمثلان المصدر الأساسي للطاقة في المزارع، حيث كان المزارعون يعملون من بزوغ الشمس إلى غروبها. وعلى الرغم من الجهد الضخم والعمل الشاق الذي كان يبذله العاملون، إلا أن إنتاج مُزارع واحد كان لا يكفي إلا لإطعام أربعة أشخاص فقط. وعلى النقيض من ذلك، أدى تحول الدول الصناعية إلى استخدام الجرّارات الزراعية، وآلات أخرى تعمل بالنفط أو الطاقة الكهربائية في المزارع، في بداية القرن العشرين، إلى زيادة الإنتاج الزراعي زيادة كبيرة. وفي الوقت الرّاهن، تقوم الآلات بمعظم أعمال المزارعين في الدول الصناعية. ولقد صاحب استخدام الآلات الزراعية واستخدام الأسمدة وأساليب التّقنية الزراعية المتقدمة زيادة ضخمة في الإنتاج، إلى درجة أن إنتاج مُزارع واحد في الوقت الحاضر يكفي لغذاء نحو مائة شخص. وقد حدثت تطورات مماثلة في قطاعي التصنيع والتعدين والصناعات الأخرى، فقد أصبح إنتاج معظم العمال حاليًا يفوق ما كان ينتجه العمال قبل مائة سنة أضعافًا مضاعفة.
تخفيض العمالة
أدى استخدام الآلات التي تُدار بالطاقة إلى زيادة كبيرة في الإنتاج، إلا أنها أدت أيضًا إلى الحد من عدد العمال اللازمين لإنتاج السلع وتوفير الخدمات، ولهذا زادت الإنتاجية. وسمحت زيادة الإنتاجية بتمتع العمال بأوقات فراغ أكبر. وعلى سبيل المثال،كانت مُعظم أعمال المصانع في بداية القرن التاسع عشر، تُنْجَز بأسلوب يدويّ أو بآلات يدوية، وكانت ساعات العمل في المصانع تتراوح بين 12و16 ساعة يوميًا لمدة ستة أيام أسبوعيًا، ولم يكن في ميسور عدد كبير من الناس التمتع بالإجازات.
أما اليوم، فقد حلت الآلات التي تعمل بالطاقة محل العمل اليدوي ـ إلى حد كبير ـ في المصانع. كما أن كثيرًا من المصانع تستخدم أساليب إنتاج الجُمْلة، أي الإنتاج على نطاق واسع. ونتيجة لذلك، انخفضت أعداد العمال الذين يعملون في إنتاج السلع المصنوعة انخفاضًا حادًا. وحاليًا، يعمل المستخدمون في المصانع ـ في كثير من البلدان ـ ثماني ساعات فقط في اليوم ولمدة خمسة أيام في الأسبوع، كما يتقاضون أجرًا مدفوعًا عن العطلات.
سهولة العمل
لقد يسَّرت التقنية إلى حد بعيد ظروف إنتاج كميات أكبر من السلع، ووفرت كثيرًا من الخدمات في ظروف عمل أيسر وأسهل بكثير مقارنة بالماضي. ومع يُسر العمل وسهولته، فقد أصبح أيضًا أكثر أمنًا وأقل خطرًا. ومن الأمثلة على ذلك تعدين الفحم الحجري. ففي بداية القرن العشرين، كان عمال مناجم الفحم يكدحون طوال اليوم مستخدمين مُعدات متواضعة بدائية تمثلت في المعول والجاروف، ولم يكن الإنتاج يزيد على عدة أطنان من الفحم في الدقيقة الواحدة.
مستويات المعيشة المرتفعة
نتجت هذه المستويات عن الزيادة الكبيرة في إنتاج السلع، وزيادة الخدمات وتوافرها. وتُنتج الدول الصناعية سلعًا كثيرة، وتوفر الخدمات بصورةٍ أفضل بكثير مُقارنة بما تنتجه الدول النامية غير الصناعية. وهكذا وفّرت الدول الصناعية المتقدمة لمواطنيها مستويات معيشة أفضل بكثير من الدول غير الصناعية. ويتغذى مواطنو الدول الصناعية بأسلوب أفضل، وتتوافر التغذية بصورة متكاملة، كما أنهم يلبسون بصورة أفضل، ومساكنهم مزوّدة بوسائل الخدمات كافّة. ويتمتع الإنسان في هذه البلدان بحياة صحية خالية من الأمراض. وهم أكثر رفاهية من أي أُناسٍ آخرين وُجدوا عبر التاريخ. وفوق ذلك، فهناك زعم بأن التقنية قد زادت من العمر المتوقع للإنسان. وبتوفير الخدمات الطبية، أمكن القضاء على الأوبئة التي كانت تجتاح العالم مراتٍ عديدة، وتحصد الكثير من الأنفس في كثير من دول العالم. ولقد تدنَّى، بدرجة كبيرة، عدد الوفيات بين الأطفال الرضَّع (بإذن الله تعالى) ثم بفضل العناية الصحية المتوافرة واتّباع أساليب التغذية الصحيحة. وفي أوائل القرن العشرين، لم يتجاوز عمر كثير من الناس على خمسين عامًا، بينما ارتفع متوسط العمر الآن إلى أكثر من خمسة وسبعين عامًا.
الآثار الجانبية للتقنية
أفاد التقدم التِّقني الناس بطرق مختلفة وفي مجالات عديدة. ولكن على الرغم من المحاسن الكثيرة التي سبق ذكرها، إلا أن الأمر لا يخلو من المشكلات. وبعض الآثار الجانبية السيئة للتقنية حادة وخطيرة. ومما ساعد على ظهور هذه المشكلات وتفاقم آثارها أن تطبيقات التقنية واستخدامها قد تم دون اعتبار للآثار الضارة أو الأخذ في الاعتبار ما يمكن أن ينتج عنها. فعلى سبيل المثال، رحَّب كثير من الناس في أواخر التسعينيات من القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين بتطوير صناعة السيارات، وكان الاعتقاد السائد أن السيارات ستكون أقل ضجيجًا، ولن تنبعث منها الروائح الكريهة كماكان يحدث مع الخيول التي تجرُّ العربات. ولكن مع التوسع الكبير في عدد السيارات وزيادة المنتج منها، والتوسع في استخدامها وزيادة أعدادها على الطرق زيادة كبيرة، اتّضح أن الضوضاء الناتجة عن هدير السيارات أكثر إزعاجًا ومضايقة من تلك التي كانت تحدثها حوافرُ الخيول. كما ثبت أن الأبخرة وغازات العادم التي تنبعث من السيارات أسوأ بكثير من رائحة مخلَّفات الخيول. ولقد لوَّثت عوادم السيارات المحتوية على غاز أول أكسيد الكربون الضار بالصحة، والشوائب الأخرى، البيئة، وهي بذلك تهدد حياة الإنسان. وينتج عن زيادة عدد السيارات الاختناقات المرورية التي تؤدي أحيانًا إلى توقف المرور تمامًا وتحدّ من انسياب حركة السيارات في بعض الأحيان. وهكذا يُسْتَنفدُ الوقت وَيُهدر بصورة أسوأ بكثير من السّفر على ظهور الخيل، كما أن زيادة إنتاج السيارات بصفة مستمرة في دول عديدة في العالم يستهلك كمية كبيرة وعالية جدًا من المنتجات الحديدية وعددًا آخر من المواد الأولية الأخرى، وهذا يعني استنزاف مصادر الثروة الطبيعية.
ستتم في هذا الجزء مناقشة أربعة من آثار التقدم التقني السيئة، وكذلك الآثار الضارة الناتجة عن التقنية على حياة الإنسان، وهي:
1ـ تلوث البيئة.
2ـ استنزاف المصادر الطبيعية ونقصها.
3ـ البطالة الناتجة عن التقنية.
4ـ إيجاد وظائف غير مُرْضية.
تلوث البيئة
يعد تلوث البيئة من أخطر الآثار الجانبية الناتجة عن التقنية الصناعية. وتواجه معظم الدول الصناعية في العالم في الوقت الحالي تلوث الهواء والماء والتربة إضافة إلى الضوضاء. وتسبب محرِّكات المركبات معظم تلوث الهواء، وكذلك التلوث الضوضائي في معظم أنحاء العالم. ويوجد العديد من المنتجات الأخرى بالإضافة إلى كثير من عمليات التقنية التي تؤدي إلى تلوث البيئة. فعلى سبيل المثال، يسبب عدد من المبيدات الحشرية تلوث التربة والماء، كما أن بعضها يضر بالحيوان والنبات. ويُسهم دخان المصانع ومخلفاتها كثيرًا في تلويث الهواء والماء أيضًا. وتسهم محطات الطاقة التي ُأقيمت في كثير من دول العالم لتوليد الكهرباء، سواء تلك التي تعمل بحرق الفحم أو بالنفط أو بأي وقود آخر، في تلويث البيئة من خلال تصاعد نواتج احتراق الوقود الذي يبلغ ملايين الأطنان من الملوثات إلى الهواء سنويًا. وتغير المخلَّفات الصناعية ومناجم التعدين المكشوف وعمليات استخراج النفط وإنشاء الطرق السريعة كثيرًا من طبيعة البيئة واتزان عناصرها. انظر: التلوث البيئي.
استنزاف الموارد الطبيعية
يُهدد التقدم التِّقني السريع المطرد باستنزاف مصادر الثروة الطبيعية. فعلى سبيل المثال، أدَّى استخدام الدول الصناعية للآلات العاملة بالطاقة الكهربائية إلى زيادة إنتاجية المصانع زيادة كبيرة، إلا أننا نجدُ في الوقت نفسه أنها قد خَفَّضت من مخزون النفط، وأنواع الوقود الأخرى التي تُستخدم في إنتاج الطاقة الكهربائية. ولا يمكن تعويض هذا الوقود بعد استخدامه واستهلاكه. وهكذا، كلما زاد إنتاج الطاقة، قلَّ مخزونُ الوقود. ولقد زاد إنتاج الطاقة خلال الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين إلى درجة بدأت فيها بعض الدول تُعاني من عجزٍ في الوقود والطاقة خلال السبعينيات من القرن نفسه.
البطالة الناتجة عن التقنية
نوع من حالات الاستغناء عن العمال ينتج عن تطورات التقنية وتقدمها. وتحدث أشهر أنواع هذه البطالة عندما تحلُّ الآلات محل العمال في أداء العمل. ومنذ نهاية منتصف القرن العشرين، قام كثير من المصانع والمكاتب بإحلال المَيْكنة (استخدام الآلات) محل العمال. وهكذا قامت الآلات بالأعمال التي كان يقوم بها العمال في السابق. وأدى استخدام الآلات الذي أُطلق عليه مصطلح الأوتوماتية إلى ارتفاع كبير في نسبة البطالة، حيث تم الاستغناء عن أعداد كبيرة من العمال والموظفين. وللأسف، لم يكن في حسبان الخبراء أو تصورهم عند تطبيق الأساليب التقنية أن ترتفع نسبةُ البطالة بالدرجة التي وصلت إليها. ومن جهة أخرى، ساعدت الأوتوماتية في التوسع في عدد من الصناعات، وصاحب هذا التوسع توافر فرص عمل استوعبت عدداً من الذين فقدوا وظائفهم. ولكن على الرغم من ذلك، ما زالت البطالة الناتجة عن التقنية تُهدد العمال في كثير من الصناعات. ولمعلومات أكثر عن البطالة الناتجة عن التقنية، انظر: البطالة.
إيجاد وظائف غير مرضية
فشلت بعض الأعمال التي أفرزتها التقنية الصناعية في منح العمال الشعور بالرضا أوتحقيق الذات. فعلى سبيل المثال، يقوم معظم عمال المصانع في الوقت الحالي بإنجاز جزء يسير فقط من الإنتاج النهائي، ونتيجة لذلك، يفقد هؤلاء العمال الإحساس بالفخر والاعتزاز اللذين يتحققان فقط من خلال إنجازهم كامل الإنتاج. ويتطلب الكثير من الوظائف والأعمال التركيز أثناء العمل. وعلى الرغم من أن معظم الآلات الحديثة في المصانع أو غيرها أكثر أمنًا مُقارنة بما كانت عليه في الماضي، إلا أن الكثير منها ما زال خطرًا، وبوجه خاص، إذا لم يعامل بعنايةٍ فائقة. ويجب على مُشغلي الآلات أن يكونوا حذرين دائمًا حتى تعمل آلاتهم بصورةٍ صحيحة وسليمة. ولأن التعامل مع الآلات بصفة دائمة، يصبح بعد فترة أمرًا تقليديًا، فإن الأعمال تصبح مُملةً على الرغم من أنها تحتاج إلى تركيز دائم.
تحديات التقنية
تواجه التقنية الحديثة تحديات لا حدود لها. ويتمثل أول هذه التحديات في التغلب على التأثيرات الجانبية السيئة لهذه التقنية. ومن الأمور الأخرى المهمة التغلب على الآثار الجانبية باستحداث تقنيات جديدة ومن ثم تطويرها. وما زال هناك تحدٍّ آخر يتمثل في توزيع فوائد هذه التقنيات وفضائلها على دول العالم، وبالذات دول العالم النامي.
التغلب على تأثيرات التقنية السيئة
يصعب في كثير من الحالات التغلب على بعض الآثار السلبية للتقنية، كما لا يمكن علاج بعضها الآخر أو التخلص منه. فعلى سبيل المثال، يصعب تحويل العمل غير المرضي إلى عمل مرضٍ ومحبَّب للنفس. وسوف يتطور التشغيل الآلي ويساعد في التخلص من الكثير من العمال ومن الأعمال العادية (الروتينية)، وكذلك الأعمال الثقيلة على النفس. ولكن سيكون ذلك على حساب بعض العمال الذين سيفقدون عملهم وسيواجهون مشكلة البطالة. وعلى الرغم من هذه المساوئ، فإنه يمكن التغلب مرة أخرى على مشكلة البطالة، بالتعاون بين أصحاب الصناعات والحكومات، بإعادة تدريب هؤلاء العمال ليشْغلوا وظائف تتطلب قدرًا أعلى من المهارة، ومن المحتمل أن تكون الوظائف الجديدة أكثر قبولاً وقناعة لهم.
يمكن للقائمين على الصناعة أن يعملوا الكثير لتخفيض مشكلات تلوث البيئة الناتجة عن الصناعات المختلفة، وكذلك الحد من استنزاف المصادر الطبيعية. وأحد السبل التي يمكن اتباعها لتحقيق ذلك هو تطوير تقنيات بديلة للتقنيات المستخدمة ذات الآثار الجانبية السيئة. ومن الأمثلة على ذلك، إمكانية التغلب على مشكلة تلوث الهواء بالتوصل إلى وسائل تقنية متطورة لتنقية الغازات المنبعثة من عادم السيارة. ويمكن لأرباب الصناعات المساعدة في المحافظة على الثروات الطبيعية من معادن وأخشاب، وعدم استنزافها عن طريق عملية يُطلق عليها اسم إعادة التصنيع، وذلك يعني المحافظة على الثروة الطبيعية واسترجاع المواد الأولية من نواتج المخلَّفات واستخدامها في صناعة منتجات جديدة. انظر: التلوث البيئي.
وتطوير التقنيات البديلة ربما يكون أمرًا مكلفًا لأن المصانع قد تحتاج إلى استخدام خبراء إضافيين، أو إلى توظيف أموالها في أجهزة جديدة مكلفة. وفي جميع الحالات، يتحمل المستهلك تكلفة التطوير التقني للصناعات البديلة في صورة غير مباشرة برفع أسعار السلع والخدمات. وعلى الرغم من ذلك، تفضل بعض الشركات عدم دفع أية تكلفة لتطوير تقنيات جديدة. وفي بعض الأحيان، يمكن أن تكون عملية إعادة استعمال المواد أكثر تكلفة مقارنة باستخدام الموارد التقليدية، مما يدفع بعض الشركات أحيانًا إلى عدم الدخول في هذا المجال. ومهما كانت الظروف، فإن عملية الاختيار ليست أمرًا سهلاً. ولأنها من القرارات الخطيرة، ونظرًا لتأثير مثل هذه القرارات على صحة المجتمع أو الدولة أو الأمة جمعاء، ينبغي ألا يُترك الأمر للشركات، بل لابد أن تضع المؤسسات الحكومية القرار، وتكون لها سلطة التنفيذ والمراقبة. فعلى سبيل المثال، تطلب كثير من الحكومات المحلية من المصانع أن تُركِّب أجهزة للتحكم في التلوث.
لا تعد التقنيات البديلة المفتاح السحري لحل جميع مشكلات الآثار الجانبية للتقنيات، حيث إن التقنيات البديلة يمكن أن تكون لها أيضًا آثار جانبية ضارة. فعلى سبيل المثال، تتميز محطات القوى النووية بعدة ميزات تفوق بها محطات القوى التقليدية لتوليد الكهرباء. فالأخيرة تعمل بحرق الوقود، ولهذا تنبعث منها الأدخنة والغبار، كما تولِّد محطات الوقود النووية قدرًا هائلاً من الكهرباء مستخدمة كمية قليلة جدًا من المواد الأولية، كما أنها لا تلوث الهواء، كما هو الحال في محطات القوى القائمة على حرق الوقود. ولكن على الرغم من هذه المميزات، فإن محطات القوى النووية مثل محطات القوى التقليدية تنساب منها كميات ضخمة من الماء الحار الذي يَصبُّ في البحيرات والمجاري المائية. وقد يسبب الماء الحار المنساب التلوث الحراري الذي يضر المياه والحيوانات والنباتات. ويعمل العلماء والمهندسون في الوقت الراهن على حل هذه المشكلة في محطات القوى النووية، بإنشاء أبراج تبريد مُستخدمين الهواء لتبريد الماء الحار الناتج عن المحطات قبل انسيابه إلى البيئة المحيطة. وتحاول بعض الشركات، كذلك، استرجاع الحرارة المفقودة بأساليب صناعية مختلفة للاستفادة منها في تدفئة المباني.
منع التأثيرات الجانبية
يعتقد الكثير من الخبراء في إمكان وقف معظم الآثار الجانبية الضارة للتقنية، ولذا يقترح هؤلاء الخبراء أن أي تقنية جديدة لابد من اختبارها بدقة، ثم تقدير آثارها قبل البدء في استخدامها. ويُطلق على عملية التقدير اسم تقويم التقنية.
والهدف من هذا التقييم هو الوقوف مُسبقًا على كل التأثيرات المحتملة التي قد تُحدثها التقنية الجديدة على المجتمع والبيئة، سواء أكانت هذه التأثيرات حسنة أم ضارة. وقد يخلص التقييم إلى أن الفوائد التي تقدمها التقنية الجديدة تفوق أية آثار جانبية تحدثُها، أو قد تبرهن على أن الآثار الجانبية سيبلغ ضررها درجة تطغى على كل فائدة تقدمها.
ويشكك بعض الخبراء في جدوى تقييم التقنية لعدم قناعتهم بإمكان الكشف عن كل الآثار الجانبية للتقنية قبل تطبيقها الفعلي، ووضعها موضع التنفيذ. كما يخشى هؤلاء العلماء أيضًا من وقوف تقييم التقنية قبل تطبيقها، حجر عثرة في طريق التقدم العلمي والتقني.
نشر فوائد التقنية
تقتصر فوائد التقنية ـ إلى حد بعيد ـ على الدول الصناعية المتطورة. ومن العجيب أن مزايا التقنية، حتى في الدول المتطورة نفسها، غير موزعة بالتساوي؛ حيث يُلاحظ أن كثيرًا من العائلات في الدول الصناعية تنقصها الضرورات الأساسية للحياة التي يتمتع بها الآخرون في الدولة نفسها.
وقد حُرمت دول العالم النامية من فوائد التقنية وآثارها الطيبة، ولا تنعم هذه الدول إلا بقدر ضئيل مما وفَّرته التقنية. ومما لا شك فيه، أن مواطني هذه الدول يودون الحصول على ما وفرته التقنية من منتجات وخدمات ينعم بها مواطنو الدول الصناعية المتقدمة. ويُعدُّ نقل التقنية وعلومها من التحديات الأساسية في هذه الأيام.
إن نقل التقنية إلى الدول النامية ستكون له آثاره الجانبية السيئة؛ كما أن استمرار التقدم التقني ونموه في الدول المتقدمة سيظل سببًا في إيجاد المشكلات في الدول الصناعية المتقدمة ـ شأنها في ذلك شأن الدول النامية. وعلى الرغم من وجود الآثار الضارة للتقنية، إلا أن استقراء التاريخ قد أوضح أن الإنسان لديه من الذكاء والمهارات ما يجعله قادرًا على التعامل مع المشكلات الرّاهنة والقادمة، التي تنشأ من جراء التقنية.